الاعضاء

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

الشاعر احمد مطر



سأتكلم اليوم عن شاعر مختلف جدا ، شاعر يجبرك أن تقرأ كامل مايكتب بعد بداية أول حرف، ثائر متمرد تقرا من قصائده روح وبوح وخط شعري ثابت وقوي ، شاعر نفي من منفى لمنفى ومازال هو هو قوي الحجة عظيم البرهان ، ومازال يخيف الكثير بلافتة قصيرة من كلماته
سأتكلم عن من كان بقصائده مطرا على قلوب كثير من المتلقين العرب، شاعرا ليس بــألعوبة في يد وفلان وعلان بل ينتقد الجميع
من المحيط للخليج كما نتغنى دائما ، تتلخص قضيته الكبرى في كلمة واحدة ( الحرية )..لن أطيل فأحمد مطر يستحق لذة قراءته

ولد أحمد مطر في عام 1952م، الإبن الرابع لأسرة مكونة من عشر عشر أبناء.
• ولقد ولد في قرية يتنومة بالقرب من البصرة .
• أحمد متزوج وله أربعة أبناء بنت وثلاث أولاد.
• يصف القرية بقوله تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مطرّزة بالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، واشجار النخيل التي لا تكتفي بالإحاطة بالقرية، بل تقتحم بيوتها، وتدلي سعفها الأخضر واليابس ظلالاً ومراوح.
• بدأ أحمد يكتب الشعر في سن الرابعة عشرة ، كانت قصائده محصورة في نطاق الغزل والرومنسيات ولكن ذلك لم يطل بل بدأ أحمد في تقمص هموم أمته وشعر بالصراع الكبير بين الشعوب والسلطات فبدأ بكتابة قصائده المحاربة السياسية المناهضة لهذه الأمور.
• كانت بداية قصائده المنشورة قصيدة من مئة بيت في ملتقى عام مشحونة بتحريض وبعدها بدأت تأتيه المضايقات.
• انتقل أحمد للعمل في صحفية ( القبس) في التحرير الثقافي وهنا بدأ أحمد بكتابة قصائدة قصيرة جدا على شكر لافتتات كأنها مفكرة شخصية ، ومع الأيام رأت هذه اللافتات طريقها للنشر في صحيفة القبس.
• التقى بالقبس برفيق دربه ورفيق كفاحه ورفيق المنفى رسام الكاركتير الشهير الراحل ناجي العلي، وكان أحمد يفتتح الصحفية وكان ناجي ينهيها وكأنهم في البداية يرسل أحمد غضبه الكبير ويؤكده ناجي قبل الرحيل من الصحفية.
• لم يكن هذا الوضع يناسب وبدأت الضغوطات تأتي على الكويت مما اضطرها لترحيلهم من البلاد ، وذهب أحمد مع رفيقه للندن الذي تركه وحيدا بموته مقتولا.
• وهكذا عاش احمد من عام 1986م في منفاه بعيد عن الأهل والوطن.
• لايؤمن أحمد ابدا بالمشهد الثقافي العربي ويعتبر أنه فيه مجال كبير من الكذب والنفاق والمجاملات غير المطلوبة.
• يكاد أحمد يدعي بالسوء والشر كثيرا على من يرى أنه ( أي أحمد مطر) يتمتع في بحبوحة الغرب الذي يهاجمه كثيرا لانه يرى أن البعد عن الأوطان أكبر عذاب للإنسان.
• يرى أحمد مطر أن رسالته الكبرى في شعره هو محاولة إخراج الناس من عبودية العبيد للحرية الكبرى وكل ذلك تحت ظب رب العالمين.
• أشتهر كثيرا بدواوينه التي أطلق عليها ( اللافتات ) والتي أصدر منها عدد من الأجزاء .
• سأترككم مع بعض أقوال أحمد مطر لأجل محاولة الوصول لفكر هذا الرجل .



عن منهجه في الشعر 
إنني عندما شرعت في الكتابة، لم أضع في ذهني أية خطة لإنشاء مدرسة في الشعر.. ولا حتى "حضانة". كانت عندي صرخة أردت أن أطلقها، وكلمة حق أردت أن أغرزها في خاصرة الباطل .. وقد فعلت.
وباستطاعتي القول، مطمئناً، انه إذا عرضت قصيدتي على قارئي، فلن تحتاج إلى وضع اسمي عليها، لكي يعرف أنها قصيدتي.
 سبب تجاهله لوسائل الإعلام :
إنني لم أتجاهل وسائل الإعلام .. بل تجاهلت وسائل الإعدام. تلك التي تكتب بالممحاة، وتقدم للناس فراغاً خالياً محشواً بكمية هائلة من الخواء !.

 حياته الشخصية كما يصفها هو :
- ارتباطي: هو بقضية كل إنسان ضعيف ومستلب.
- حالتي الإجتماعية : "رب بيت".
- شغلي : هو كنس العروش الفاسدة.
- مكسبي: احترامي لذاتي.
- خساراتي: أرباح، .. أصبحت لكثرتها أغنى الأغنياء .. ففي كل صباح أستيقظ فأجدني معي، أحمد الله ثم أبدأ بتفقد كنوزي، أدق قلبي الجريح فترد كبريائي " أنا هنا" .. أتفحص جيبي المثقوب، تضحك أناملي " لا تتعب نفسك .. لم أقبض صكاً من سلطان" .. أتلمس روحي، تبتسم آلامها "اطمئن، لم يستطيعوا اغتصابي" .. أفتح كتابي، يلهث في وجهي قائلاً "صادروني اليوم في البلد الفلاني". وطول جولتي يسليني ضميري بدندنة لا تنقطع : لم نمدح شيطاناً ، لم نخن قضية الإنسان، لم ننس فلسطين، لم نذعن لأية سلطة، لم نضحك في وجه مرتزق .. وهلم فخراً.
عندئذ، أتطلع إلى المرآة مبتهجاً، وأهتف بامتنان: "ألف شكر .. لم أبعني لأحد"

رأيه في الواقع السياسي :
- الواقع السياسي العربي .. ملعب أمريكي يلعب فيه اثنان وعشرون لاعباً، فريق منهم في الجهة الشرقية وفريق في الجهة الغربية. يختلفون ويتناحرون على متابعة الكرة، لكنهم جميعاً يتفقون على قاعدة لعب واحدة.والأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، في هذا المرمى أو ذاك هي كلها في النتيجة لا تخرج عن نطاق الملعب.
أما الواقع السياسي الإسلامي فهو محكمة تضع القرآن في قفص الإتهام وتطلب منه أن يقسم على القرآن أن يقول الحق ولا شيء غير الحق!
أما الواقع السياسي العالمي فهو مسرح يعرض نصاً مؤلفته ومخرجته وممثلته .. أمريكا.
والجمهور في المواقع الثلاثة مربوط إلى الكراسي بالقوة .. ممنوع عليه التدخين أو المشاركة أو الإحتجاج.ومسموح له فقط بأن يصفق أو يطبل أو يقول "يحيا العدل" !

نصائح يقدمها أحمد مطر :
- للقراء أٌقول : لاتكونوا عبيداً وقد خلقكم الله أحراراً. وإذا لم تسهم الكلمة التي تقرأونها في إنماء وعيكم واستثارة غضبكم لتغيير هذا الواقع السياسي الشاذ بأيديكم أو ألسنتكم - وذلك أضعف الإيمان فلا تقرأوا .
وللشعراء العرب أقول: ما قاله الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري :
إن الملوك بلاءٌ حيثما حلّوا ... فلا يكن لك في أكنافهـم ظلُّ
ماذا تؤملُ من قومٍ إذا غضبوا ... جاروا عليك، وإن أرضيتهم ملّوا
فاستغنِ باللهِ عن أبوابهم أبداً ... إن الوقوف على أبوابهم ذلُّ
وللإعلاميين أقول : احذروا أن تعبثوا بالحقائق، واحذروا بلع أطراف الحروف، فالكلمة حساسة جداً، يمكن تحويلها بلمسة بسيطة غير مسؤولة، من أداة إحياء إلى أداة قتل. إن عبثاً هيناً بكلمة "إعلام" يحولها ببساطة إلى "إعدام".
إحذروا أن تطعموا أطفالكم من أجور كلمة تقتل ملايين الأطفال!

وللسلطات العربية والإسلامية لا أدري ماذا أقول ! قصائدي هي نصائح لها لو كانت تدرك النصيحة. لكنها تكافئني عليها بالنفي والمطاردة.
إنها لم تستمع إلى نصيحة الله. فهل تستمع إلى نصيحتي ؟!



والآن أضع بين يديكم عدد من لافتاته وقصائده


لص بلاديبالتمادي . . . يصبح اللص بأوربا مديراً للنوادي،
وبأمريكا، زعيماً للعصابات وأوكار الفساد،
وبأوطاني اللتي من شرعها قطع الأيادي،
.يصبح اللص . . . زعيماًُ للبلاد


أمير المخبرينتهت عن بيت صديقي، فسألت العابرين ،
قيل لي امش يسارا، سترى خلفك بعض المخبرين ،
حد لدى أولهم ، سوف تلاقي مخبرا يعمل في نصب كمين،
اتجه للمخبر البادي، أمام المخبر الكامن،
واحسب سبعة ، ثم توقف،
تجد البيت وراء المخبر الثامن في أقصى اليمين ؛
سلم الله أمير المخبرين ،
فلقد أتخم بالأمن بلاد المسلمين ،
أيها الناس اطمئنو، هذه أبوابكم محروسة في كل حين ،
.فادخلوها بسلام آمنين 
شكرا على التأبين
شكراً على التأبينِ والإطــــراءِ
يا معشرَ الخطباء والشـــعــراءِ

شكراً على ما ضاعَ من أوقاتكم
في غمرةِ التدبيـج والإنشـــــاء

وعلى مدادٍ كان يكفي بعضُــه
أن يُغرِقَ الظلــماءَ بالظــلمــاء

وعلى دموعٍ لو جَـرتْ في البيدِ
لانحلّـتْ وسار الماءُ فوق الماء
ِ
وعواطفٍ يغـدو على أعتابها
مجنونُ ليلى أعـــقـلَ العقلاءِ

وشجاعـةٍ باسم القتيلِ مشيرةٍ
للقاتليــن بغيــرِ مــــا أســمـاءِ

شكراً لكم، شكراً، وعفواً إن أنا
أقلعتُ عن صوتي وعن إصغائي

عفواً، فلا الطاووس في جلدي ولا
تعلو لـــساني لـــهــجـةُ البـبـغــــاءِ

عفواً، فـــلا تروي أساي قصيدةٌ
إن لـــم تكن مكتوبةً بـــدمــائــــي

عــــــفواً، فإني إن رثيـــتُ فإنّما
أرثي بفاتحــة الرثاء رثـــــائــــي

عــــفــــواً، فــــإني مَيّــــِتٌ يا أيـــُّها
الــموتى، وناجـــي آخــــر الأحيــــاء ! 
عملاءالملايين على الجوع تنام ،
وعلى الخوف تنام ،
وعلى الصمت تنام ،
والملايين التي تصرف من جيب النيام ،
تتهاوى فوقهم سيل بنادق ،
ومشانق ،
وقرارات اتهام ،
كلما نادو بتقطيع ذراعي كل سارق ،
وبتوفير الطعام ؛
عرضنا يهـتـك فوق الطرقات ،
وحماة العرض أولاد حرام ،
نهضوا بعد السبات ،
يـبـسطون البسط الحمراء من فيض دمانا،
تحت أقدام السلام ،
أرضنا تصغر عاما بعد عام ،
وحماة الأرض أبناء السماء ،
عملاء ،
لابهم زلزلة الأرض ولا في وجههم قطرة ماء ،
كلما ضاقت الأرض، أفادونا بتوسيع الكلام ،
حول جدوى القرفصاء ،
وأبادوا بعضنا من أجل تخفيف الزحام ،
آه لو يجدي الكلام ،
آه لو يجدي الكلام ،
آه لو يجدي الكلام ،
.هذه الأمة ماتت والسلام 
الحافز
مئتا مليون نملة
أكلت في ساعة جثة فيل
ولدينا مئتا مليون أنسان
ينامون على قبح المذله
ويفيقون على الصبر الجميل
مارسوا الانشاد جيلاً بعد جيل
ثم خاضوا الحرب
لكن..
عجزوا عن قتل نمله !
تفقا العزة عين المستحيل
تصنع العزة للنمله دوله
ويعيث النمل في دولة أنسان ذليل

بين يدي القدسياقدس يا سيدتي معذرة فليس لي يدان ،
وليس لي أسلحة وليس لي ميدان ،
كل الذي أملكه لسان ،
والنطق ياسيدتي أسعاره باهضة، والموت بالمجان ،
سيدتي أحرجتني، فالعمر سعر كلمة واحدة وليس لي عمران ،
أقول نصف كلمة ، ولعنة الله على وسوسة الشيطان ،
جاءت إليك لجنة، تبيض لجنتين،
تفقسان بعد جولتين عن ثمان ،
وبالرفاء والبنين تكثر اللجان ،
ويسحق الصبر على أعصابه ،
ويرتدي قميصه عثمان ،
سيدتي، حي على اللجان ،
.حي على اللجان


الثور والحضيرةالثور فر من حضيرة البقر، الثور فر ،
فثارت العجول في الحضيرة ،
تبكي فرار قائد المسيرة ،
وشكلت على الأثر ،
محكمة ومؤتمر ،
فقائل قال : قضاء وقدر ،
وقائل : لقد كفر ،
وقائل : إلى سقر ،
وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة ،
لعله يعود للحضيرة ؛
وفي ختام المؤتمر ،
تقاسموا مربطه، وقسموا شعيره ،
وبعد عام وقعت حادثة مثيرة ،
.لم يرجع الثور ، ولكن ذهبت وراءه الحضيرة

احتمالاتربما الماء يروب ،
ربما الزيت يذوب،
ربما يحمل ماء في ثقوب ،
ربما الزاني يتوب ،
ربما تطلع شمس الضحى من صوب الغروب ،
ربما يبرأ شيطان ، فيعفو عنه غفار الذنوب،
.إنما لايبرأ الحكام في كل بلاد العرب من ذنب الشعوب


بدعة
بدعة عند ولاة الأمر صارت قاعدة ،
كلهم يشتم أمريكا،
وأمريكا إذا مانهضوا للشتم تبقى قاعدة ،
.فإذا ماقعدوا، تنهض أمريكا لتبني قاعدة


حي على الجماد
حي على الجهاد ؛
كنا وكانت خيمة تدور في المزاد،
تدور ثم إنها تدور ثم إنها يبتاعها الكساد ؛
حي على الجهاد ؛
تفكيرنا مؤمم وصوتنا مباد ،
مرصوصة صفوفنا كلا على انفراد ،
مشرعة نوافذ الفساد ،
مقـفـلة مخازن العتاد ،
والوضع في صالحنا والخير في ازدياد ؛
حي على الجهاد ؛
رمادنا من تحته رماد ،
أموالنا سنابل مودعة في مصرف الجراد ،
ونفطنا يجري على الحياد ،
والوضع في صالحنا فجاهدوا ياأيها العباد ،
رمادنا من تحته رماد ،
من تحته رماد ،
من تحته رماد ،
.حي على الجماد


شعراء البلاط
من بعد طول الضرب والحبس ،
والفحص ، والتدقيق ، والجس ،
والبحث في أمتعتي ، والبحث في جسمي، وفي نفسي ،
لم يعثر الجند على قصيدتي، فغادروا من شدة اليأس ،
لكن كلبا ماكرا أخبرهم بأنني أحمل أشعاري في ذاكرتي،
فأطلق الجند شراح جثتي وصادروا رأسي ،
تقول لي والدتي : " ياولدي ، إن شئت أن تنجو من النحس،
وأن تكون شاعرا محترم الحس ،
. "سبح لرب العرش ، واقرأ آية الكرسي

بيت وعشرون راية
أسرتنا بالغة الكرم ،
تحت ثراها غنم حلوبة، وفوقه غنم ،
تأكل من أثدائها وتشرب الألم ،
لكي تفوز بالرضى من عمنا صنم ،
أسرتنا فريدة القيم ،
وجودها عدم ،
جحورها قمم ،
لاآتها نعم ،
والكل فيها سادة لكنهم خدم ،
أسرنا مؤمنة تطيل من ركوعها، تطيل من سجودها ،
وتطلب النصر على عدوها من هيئة الأمم ،
أسرتنا واحدة تجمعها أصالة، ولهجة، ودم ،
وبيتنا عشرون غرفة به ، لكن كل غرفة من فوقها علم ،
يقول إن دخلت في غرفتنا فأنت متهم ،
.أسرتنا كبيرة ، وليس من عافية أن يكبر الورم


عزف على القانونيشتمني ويدعي أن سكوتي معلن عن ضعفه ،
يلطمني ويدعي أن فمي قام بلطم كفه ،
يطعنني ويدعي أن دمي لوث حد سيفه ،
فأخرج القانون من متحفه ،
وأمسح الغبار عن جـبـيـنـه ،
أطلب بعض عطفه ،
لكنه يهرب نحو قاتلي وينحني في صفه ،
يقول حبري ودمي : " لا تندهش ،
".من يملك القانون في أوطاننا ، هو الذي يملك حق عزفه


التهمةكنت أسير مفردا أحمل أفكاري معي ،
ومنطقي ومسمعي ،
فازدحمت من حولي الوجوه ،
قال لهم زعيمهم خذوه ،
سألتهم ماتهمتي ؟
."فقيل لي: " تجمع مشبوه




أصنام البشرياقدس معذرة ومثلي ليس يعتذر،
مالي يد في ما جرى فالأمر ما أمروا ،
وأنا ضعيف ليس لي أثر ،
عار علي السمع والبصر ،
وأنا بسيف الحرف أنتحر ،
وأنا اللهيب وقادتي المطر ،
فمتى سأستعر ؟
لو أن أرباب الحمى حجر ،
لحملت فأسا فوقها القدر ،
هوجاء لا تبقي ولا تذر ؛
لكنما أصنامنا بشر ،
الغدر منهم خائف حذر ،
والمكر يشكو الضعف إن مكروا ؛
فالحرب أغنية يجن بلحنها الوتر ،
والسلم مختصر ،
ساق على ساق ، وأقداح يعرش فوقها الخدر ،
وموائد من حولها بقر ،
ويكون مؤتمر ؛
هزي إليك بجذع مؤتمر يساقط حولك الهذر ،
.عاش اللهيب ويسقط المطر

فصيحنافصيحنا ببغاء ،
قوينا مومياء ،
ذكينا يشمت فيه الغباء ،
ووضعنا يضحك منه البكاء ،
تسممت أنفاسنا حتى نسينا الهواء ،
وامتزج الخزي بنا حتى كرهنا الحياء ،
يا أرضنا، يامهبط الأنبياء ،
قد كان يكفي واحد لو لم نكن أغبياء ؛
يا أرضنا ، ضاع رجاء الرجاء ،
فينا ومات الإباء ،
يا أرضنا ، لا تطلبي من ذلنا كبرياء ،
.قومي احبلي ثانية ، وكشفي عن رجل لهؤلاء النساء

رقاص الساعةمنذ سنين،
يترنح رقاص الساعة ،
يضرب هامته بيسار، يضرب هامته بيمين ،
والمسكين ، لا أحد يسكن أوجاعه ،
لو يدرك رقاص الساعة، أن الباعة
يعتقدون بأن الدمع رنين ،
وبأن استمرار الرقص دليل الطاعة ،
لتوقف في أول ساعة ،
عن تطويل زمان البؤس، وكشّف عن سكين ،
يارقاص الساعة ،
دعنا نقلب تاريخ الأوقات بهذي القاعة ،
وندجن عصر التدجين ،
ونؤكد إفلاس الباعة ،
قف وتأمل وضعك ساعة ،
لا ترقص، قتلتك الطاعة ،
.قتلتك الطاعة
حلم
وقفت مابين يدي مفسر الأحلام ،
قلت له : "ياسيدي رأيت في المنام ،
أني أعيش كالبشر ،
وأن من حولي بشر ،
وأن صوتي بفمي، وفي يدي الطعام ،
وأنني أمشي ولا يتبع من خلفي أثر "،
فصاح بي مرتعدا : "ياولدي حرام ،
لقد هزئت بالقدر ،
ياولدي ، نم عندما تنام" ؛
وقبل أن أتركه تسللت من أذني أصابع النظام ،
.واهتز رأسي وانفجر

زنزانةصدري أنا زنزانة قضبانها ضلوعي ،
يدهمها المخبر بالهلوع،
يقيس فيها نسبة النقاء في الهواء ،
ونسبة الحمرة في دمائي ،
وبعدما يرى الدخان ساكنا في رئتي، والدم في قلبي كالدموع،
يلومني لأنني مبذر في نعمة الخضوع ،
شكرا طويل العمر إذ أطلت عمر جوعي ،
لو لم تمت كل كريات دمي الحمراء، من قلة الغذاء،
.لانـتـشـل المخبر شيئا من دمي ثم ادعى بأنني شيوعي

القرابين
مُنذُ ما يَقرُبُ مِن خَمسينَ عاما
كالقرابين فداء المستبدين " النشامى" .

يا شعوباً من سراب
في بلاد من خراب..
أي فرْق في السجايا
بين نسر و عقاب ؟!!!

هَطَلَتْ مِن كُلِّ صَوْبٍ عَينُ باكٍ
وَهَوَتْ مِن كُلِّ فَجٍّ كَفُّ لاطِمْ
وَتَداعى كُلُّ أصحابِ المواويلِ
وَوافَى كُلُّ أربابِ التّراتيلِ
لِتَرديدِ التّواشيحِ وتَعليقِ التّمائِمْ
وأقاموا، فَجأةً، مِن حَوْلِنا
سُورَ مآتِمْ .
إنَّهم مِن مِخلَبِ النَّسْرِ يخافونَ عَلَيْنا ..
وَكأَنّا مُستريحونَ على ريشِ الحَمائِمْ !
ويخافُونَ اغتصابَ النَّسْرِ لِلدّارِ ..
كأنَّ النَّسْرَ لَمْ يَبسُطْ جَناحَيْهِ
على كُلِّ العَواصِمْ !
أيُّ دارٍ ؟!
أرضُنا مُحتلَّةٌ مُنذُ استقلَّتْ
كُلَّما زادَتْ بها البُلدانُ.. قَلَّتْ !
وَغِناها ظَلَّ في أيدي المُغيرينَ غَنائِمْ
والثّرى قُسِّمَ ما بينَ النّواطيرِ قَسائِمْ .
أيُّ نِفطٍ ؟!
صاحِبُ الآبارِ، طُولَ العُمْرِ،
عُريانٌ وَمَقرورٌ وصائِمْ
وَهْوَ فَوقَ النّفطِ عائِمْ !
أيُّ شَعْبٍ ؟!
شَعبُنا مُنذُ زَمانٍ
بَينَ أشداقِ الرَّدى والخوفِ هائِمْ
مُستنيرٌ بظلامٍ
مُستجيرٌ بِمظالِمْ !
هُوَ أجيالُ يَتامى
تَتَرامى
مُنذُ ما يَقرُبُ مِن خَمسينَ عاما
كالقَرابينِ فِداءَ المُستبدّينَ " النّشامى" .
كُلُّ جيلٍ يُنتَضى مِن أُمِّهِ قَسْراً
لِكَيْ يُهدى إلى (أُمِّ الهَزائِمْ)
وَهْيَ تَلقاهُ وُروداً
ثُمَّ تُلقيهِ جَماجِمْ
وَبُروحِ النَّصرِ تَطويهِ
ولا تَقَبلُ في مَصْرعِهِ لَوْمةَ لائِمْ .
فَهُوَ المقتولُ ظُلْماً بيدَيْها
وَهُوَ المَسؤولُ عن دَفْعِ المَغَارِمْ !
فَإذا فَرَّ
تَفرّى تَحتَ رِجْلَيْهِ الطّريقْ
فَهْوَ إمّا ظامِئٌ وَسْطَ الصّحارى
أو بأعماقِ المُحيطاتِ غَرِيقْ
أو رَقيقٌ.. بِدماءٍ يَشتري بِلَّةَ ريقٍ
مِن عَدُوٍّ يَرتدي وَجْهَ شَقيقٍ أو صَديقْ !
فَلماذا صَمَتُوا صَمْتَ أبي الهَوْلِ
لَدَى مَوْتِ الضّحايا..
واستعاروا سُنَّةَ الخَنساءِ
لَمّا زَحَفَتْ كَفُّ المَنايا
نَحْوَ أعناقِ الجَرائِمْ ؟!
* *
يا شُعوباً مِن سَرابٍ
في بلادٍ مِن خَرابْ..
أيُّ فَرْقِ في السَّجايا
بَينَ نَسْرٍ وَعُقابْ ؟!
كُلُّها نَفْسُ البهائِمْ
كُلُّها تَنزِلُ في نَفْسِ الرّزايا
كُلُّها تأكُلُ مِن نَفسِ الولائِم
إنّما لِلجُرْمِ رَحْمٌ واحِدٌ
في كُلِّ أرضٍ
وَذَوو الإجرامِ مَهْما اختلَفَتْ أوطانُهمْ
كُلٌّ توائِمْ !
* *
عَصَفَ العالَمُ بالصَفَّينِ
حَقْناً لِدِمانا
وانقَسَمْنا بِهَوانا
مِثْلَما اعتَدْنا.. إلى نِصفَينِ
ما بَينَ الخَطيئاتِ وما بينَ المآثِمْ
وَتقاسَمْنا الشّتائِمْ .
داؤنا مِنّا وَفينا
وَتَشافينا تَفاقُمْ !
لو صَفَقْنا البابَ
في وَجْهِ خَطايا العَرَبِ الأقحاحِ
لَمْ تَدخُلْ عَلَيْنا مِنْهُ
آثامُ الأعاجِمْ !
.
.

الشاعر احمد مطر مم نخشى؟




مِمَّ نَخْشَى ؟
أَهْلَنَا فِي بِلادِ الْعُرْبِ مَهْلاً
لِمَ هَذَا الذُّلُّ فِينَا قد تَفَشَّى ؟!
مِمَّ نَخْشَى ؟
الْحُكُومَاتُ الَّتِي فِي ثُقْبِهَا ، تَفْتَحُ إِسْرَائِيلُ مَمْشَى
لَمْ تَزَلْ لِلْفَتْحِ عَطْشَى ، تَسْتَزيدُ النَّبْشَ نَبْشَا
وَإِذَا مَرَّ عَلَيْهَا بَيْتُ شِعْرٍ ، تَتَغَشَّى
تَسْتَحِي وَهِيَ بِوَضْع ِالْفُحْشِ ، أَنْ تَسْمَعَ فُحْشَا
مِمَّ نَخْشَى ؟
أَبْصَرُ الْحُكَّام ِأَعْشَى
أَكْثَرُ الْحُكَّام ِزُهْدًا ، يَحْسَبُ الْبَصْقَةَ قِرْشَا
أَطْوَلُ الْحُكَّام ِسَيْفًا يَتَّقِي الْخِيفَةَ خَوْفَا
وَيَرَى الَّلاشَيْءَ وَحْشَا
أَوْسَعُ الْحُكَّام ِعِلْمًا لَوْ مَشَى فِي طَلَبِ الْعِلْم ِإِلَى الصِّينِ
لَمَا أَفْلَحَ أَنْ يُصْبِحَ جَحْشَا
مِمَّ نَخْشَى ؟
لَيْسَتِ الدَّوْلَةُ وَالْحَاكِمُ إِلَّا ، بِئْرَ بِتْرُولٍ وَكَرْشَا
دَوْلَةٌ لَوْ مَسَّهَا الْكِبْريتُ ، طَارَتْ
حَاكِمٌ لَوْ مَسَّهُ الدَّبُّوسُ فَشَّا
هَلْ رَأَيْتُمْ مِثْلَ هَذَا الْغِشِّ غِشَّا ؟
مِمَّ نَخْشَى ؟
نَمْلَةٌ لَوْ عَطَسَتْ تَكْسَحُ جَيْشَا
وَهَبَاءٌ لَوْ تَمَطَّى كَسَلاً يَقْلِبُ عَرْشَا
فَلِمَاذَا تَبْطِشُ الدُّمْيَةُ بِالْإِنْسَانِ بَطْشَا ؟
انْهَضُوا
آنَ لِهَذَا الْحَاكِم ِالْمَنْفُوش ِمِثْل ِالدَّيكِ ، أَنْ يَشْبَعَ نَفْشَا
انْهَشُوا الْحَاكِمَ نَهْشَا
وَاصْنَعُوا مِنْ صَوْلَجَانِ الْحُكْمِ رِفْشَا
وَاحْفِرُوا الْقَبْرَ عَمِيقًا ، وَاجْعَلُوا الْكُرْسِيَّ نَعْشَا
***
الأسَى آسٍ لِمَا نَلْقَاهُ ، وَالْحُزْنُ حَزينْ
نَزْرَعُ الأرْضَ ، وَنَغْفُو جَائِعِينْ
نَحْمِلُ الْمَاءَ ، وَنَبْقَى ظَامِئِينْ
نُخْرِجُ النَّفْطَ ، وَلا دِفْءَ وَلا ضَوْءَ لَنَا
إِلا شَرَارَاتِ الأمَانِي ، وَمَصَابِيحَ الْيَقِينْ
وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينْ ، مُنْصِفٌ فِي قِسْمَةِ الْمَالِ
فَنِصْفٌ لِجَوَارِيهِ ، وَنِصْفٌ لِذَوِيهِ الْجَائِرينْ
وَابْنُهُ ، وَهُوَ جَنِينٌ ، يَتَقَاضَى رَاتِبًا
أَكْبَرَ مِنْ رَاتِبِ أَهْلِي أَجْمَعِينْ ، فِي مَدَى عَشْرِ سِنِينْ
رَبَّنَا...هَلْ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ مَهِينْ ، وَابْنُهُ مِنَ (يَاسَمِينْ) ؟
رَبَّنَا...هَلْ نَحْنُ مِنْ وَحْلٍ وَطِينْ ، وَابْنُهُ مِنْ (أَسْبِرِينْ) ؟
رَبَّنَا...فِي أَيَّ دِينٍ ، تَمْلِكُ النُّطْفَةُ فِي الْبَنْكِ رَصِيدًا
وَأُلُوفُ الْكَادِحِينْ ، يَسْتَدِينُونَ لِسَدِّ الدَّائِنِينْ ؟
رَبَّنَا فِي أَيِّ دِينٍ مِلْيَارَاتُ النَّفْطِ وَالْخَيْرِ
لِعِلْجٍ حَاكِمٍ ، أَوْ لِبَيْتٍ وَاحِدٍ ، مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينْ
وَلِبَاقِي الْمُسْلِمِينْ ، صَدَقَاتُ الْمُحْسِنِينْ ؟
رَبِّ هَلْ مِنْ أَجَلِ ، عِشْرِينَ لَقِيطًا وَلُوطِيًا ، خَلَقْتَ الْعَالَمِينْ ؟
إِنْ يَكُنْ هَذَا ، فَيَا رَبِّ لِمَاذَا ، لَمْ تُكَرِّمْ قَوْمَ لُوطْ ؟
وَلِمَاذَا لَمْ تُعَلِّمْنَا السُّقُوطْ ؟
وَلِمَاذَا لَمْ نَجِئْ ، مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ اللَّوَاتِي ، مِثْلَ أَوْلآدِ الَّذِينْ ؟
اذِ اللَّوَاتِي ، مِثْلَ أَوْلآدِ الَّذِينْ ؟

تساؤل لانا سويدات


السبت، 28 يوليو 2012

قصيدة (في القدس) الشاعر تميم البرغوثي


مَرَرْنا عَلــى دارِ الحبيب فرَدَّنا

عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها
فَقُلْتُ لنفســي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ
فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها
تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ
إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها
وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُـسَرُّ
ولا كُلُّ الغـِيابِ يُضِيرُها
فإن سـرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه
فليسَ بمأمـونٍ عليها سـرُورُها
متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً
فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها
***
في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته
يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْ
في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها
في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ..
رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،
قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى
وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً
تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاًمَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ
في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ
في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ
في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ!
***
وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً
أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم،! وتبصرُ غيرَهم
ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ
أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ، يا بُنَيَّ، حجابَ واقِعِها السميكَ
لكي ترى فيها هَواكْ
في القدسِ كلًّ فتى سواكْ
وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها
ما زِلتَ تَرْكُضُ إثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها
رفقاً بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْ
في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ
***
يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً، فالمدينةُ دهرُها دهرانِ
دهر أجنبي مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ
وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ
والقدس تعرف نفسها..
إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ
فكلُّ شيء في المدينة
ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ
في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ
حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ
تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ
في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ
في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ،
فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،
تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها
تُدَلِّلُها وَتُدْنِيها
تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيها
إذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها
***
وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها
ونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ
في القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ
كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ
ونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس،
أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ،
وَهْوَ يقول: ?لا بل هكذا?،
فَتَقُولُ: ?لا بل هكذا?،
حتى إذا طال الخلافُ تقاسما
فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ
إن أرادَ دخولَها
فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ
***
في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،
باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في أصفهانَلتاجرٍ من أهلِ بغدادٍ
أتى حلباً فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى،
فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً
فأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْ
في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ
واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ
وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: ?لا تحفل بهم?
وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: ?أرأيتْ!?
في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ،
كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها،
والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ
في القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً
لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ
يا بْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ
في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،
فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ
***
في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتابُ ترابُها
الكل مرُّوا من هُنا
فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمنا
أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ
فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ
والتتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ،
فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى
كانوا الهوامشَ في الكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنا
يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ
العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ، مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها
والقدس صارت خلفنا
والعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ،
تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ
إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ
قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْ
يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟
أَجُنِنْتْ؟
لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ
لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ
في القدسِ من في القدسِ لكنْ
لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْت.