الاعضاء

الثلاثاء، 19 مارس 2013

قصة الراقصة و الجدار القاصة الشابة هدى بنعلي



                                                
المدينة و الدهشة امرأتان لحزن واحد،قال ذلك و هو يرسم ابتسامة ساخرة على وجهه، نظر الى السماء و هي تنشر رذاذا خفيفا يخز الروح فتنبعث موسيقى هادئة. الجميع يجري في اتجاهات مختلفة، وجوه تحمل ابتسامة و اخرى مقطبة، وجوه حزينة و اخرى تلهث خلف فرح ما، تذكر وجهه....لم يعد وجها ...صار كالندبة في جبين الايام....هكذا بجد متعة في مشاهدة الحياة و هي تلد نفسها ولادة يومية مبتذلة....منذ سنوات وجد نفسه وحيدا،مات جميع اهله في الحرب، انحنى للقدر شاكرا بصمت فللقدر فلسفته الرائعة  في رسم الخيبات...و لكنه اعتاد هذه الوحدة...صارت ككرية صغيرة في دمه تلهمه صمتا امام عصف الايام...هنا بين هذه الجدران العالية، لم يعد يخاف الوجوه المقطبة و لا الابتسامات الساخرة...لم يعد يخاف النظرات الصاعقة كالكهرباء تهز القلب بالبكاء...لا يدري لماذا تنتابه رغبة البكاء كلما راها ترقص....كانها تذكره بشيء ما موغل في البعد، عميق في النفس...ربما تكون تلك البقعة الوحيدة المضيئة في روحه...البقعة الوحيدة التي احاطت بها اشجار شائكة من النسيان.....كانت ريتا بسهولة تخترق تلك الاشجار العالية....كان يتاملها....كانت الشيء الوحيد الذي يتحرك في عالمه بعد ان اصبح جدارا متيبسا مثل جدران باريس العالية المطبقة على القسوة ....هي حلمه الذي يغريه بالحياة ....كثيرون فضلوا الانتحار هنا بعد ان ماتت احلامهم ...عندما يموت الحلم، ندرك اننا اصبحنا من معشر الجدران....سحب نفسا عميقا من سيجارته و القى عينا سريعة على الانية غمغم" هل تكفي هذه النقود لانسى شعور الجدران؟؟؟"...فجاه انهال عليه صوت غليظ "ماذا تفعل هنا؟؟؟" تلك الاسئلة السخيفة للأثرياء المتبجحين....ببرود اجاب و عيناه تفحصان الشارع في هدوء : و ماذا ترى؟؟؟ بصوت خفيض متدثر في الندم " ارى انك تتسول بضحكة مجلجلة انتفض ساخرا خيل اليه ان الشارع الطويل يتحول الى بئر عميقة تردد ضحكته" هل ستعطيني النقود ام ستلقي على مسامعي حكمة الاثرياء عندما يرون قطا منهكا في القمامة" بصمت مد الصوت الخفيض ورقة نقدية و غاب في الضوضاء...يجب ان تكون جدارا كي يخرس الحمقى عن الحكمة ....الليلة سيرى ريتا...بقلبه شوق لا يفهمه....الاشياء الكبيرة  تتكبر على الفهم.....
بيد واثقة مد ورقة نقدية  لرجل عريض يقف بالباب....عند هذا الباب فقط يحس انه جدار اخر...جدار برتدي بدلة....يضحك ضحكة مقتضبة كالأثرياء ...جدار يبحث عن قبضة قوية تصدعه فيهوى....يحس دائما ان ريتا هي تلك القبضة....قليلات اولئك النسوة اللاتي يحدثن بك الانهيار و تحب انهيارك ذاك ....تنسى انك مجرد جدار اخرس يشاهد الحياة بعين ميتة و يغرق في ذاكرته......ريتا تفتح باب الحلم في روحه فيعشق احلامه و يؤمن اكثر من اي وقت مضى ان بإمكانه ان يحلم هادئا تحت سماء ما.....
صب كاسا....يتسائل دائما لماذا يثمل..... و يصطدم دائما بنفس الاجابة....."شوارع باريس لا تصنع سوى المتسولين و المعربدين...باريس الماكرة لها قدرة عجيبة  ان تجعلك جدارا من جدرانها تدين لها بولاء التكلس.....
عجت القاعة بالتصفيق....هاهي تأتى لتثور الرياح و يصبح الموت جميلا .... ريتا ....كباريس انت جميلة و ماكرة......كالزلزال انت و انا لا املك امام الزلزال الا ان اشاهد حتفي.....ملا كاسا اخرى صار يعرف طعما اخر للخمر....احس كانه قط عجوز في كومة قاذورات ينظر بزهو الى شرفة مضيئة.....بالشرفة المضيئة......راقصة.....قد لا يراها راقصة كما يراها الاخرون..... قد تكون ضحكة كبيرة تنفلت وسطدموع كثيرة.... وهما....حلما....موسيقى بعيدة تاتي مترنحة....
في اخر طاولة استند راسه الى الحائط ..... اغمض عينيه و على وجهه دموع.......
محطة الارتال تمتلئ بالوجوه و اصوات الاحذية و اشكال الحقائب المختلفة.....ود لو كان من بين هؤلاء المسافرين يحمل حقيبة، يهرول باتجاه القطار....ود لو يكون بشريا....مثل هؤلاء ... و لكن اليس بشريا؟؟؟....المطر تخمش روحه و راسه يعج باصوات كثيرة من ذاكرة بعيدة .... ياتي صوت كالمطرقة...صوت مختلف.... كانه ينبعث من روحه....
 قال الصوت الغريب" بحثت عنك في كل مكان انت الرجل الوحيد الذي يبكي في حضرة راقصة"
قال بثقة كانه يعرف السؤال مسبقا " انا جدار قديم...."
اذا سنقتطع تذكرتين ايها الجدار القديم".......قالت بمرح
ضحك منفعلا " و ما جدوى السفر مع جدار؟؟؟"
قالت و هي تجذب سيجارته و تاخذ نفسا عميقا" تماما كجدوى مشاهدة راقصة و البكاء"
"انت مجنونة"
"و انت طاعن في الحزن"
"و لكن لماذا تبكي؟؟؟"
"قصة كبيرة كالبحر...... واسعة كالسماء"
علا التصفيق و الهتاف....فتح عينيه  بصعوبة كانه يتبين النور....راها تغادر.....اغمض عينيه من جديد اطلق عنان حلمه.... اكبر من حلمي انت ريتا.... اوسع من جرحي...... خربشة جميلة بقلب  جدار قديم....سأنتظرك اعرف انك ستبحثين عني.....تحتاجين جدارا حزينا تسندين عليه راسك المتعب......

قصة الرجة للقاصة الشابة هدى بنعلي




"ليس حبا..."هكذا تمتمت و هي تعيد الورقة الى حقيبتها...ربما هو بحث عن لحظة من فرح اعرج لا يكاد يقف حتى يسقط. الاشجار مازالت تحتفظ ببقية مطر و الهواء البارد يتسلل الى شعرها كانه يبحث عن الدفء...الشارع الطويل بارد رمادي كانه ذكرى وجع قديم...جالت ببصرها في البيوت الرابضة في الصمت...بيوت مغلقة على الاوجاع و الذكرى ...و هناك طيور هاربة تبحث عن فصل خامس...هل يحبها حقا؟؟؟ام تراه يشفق عليها...هل يدركما وراء تلك العيون الحزينة.؟؟؟..ربما...تضعنا الحياة في عشق غبي مع الاحتمال...لماذا تتسائلالان؟هل تعيش قصة ما؟و هي التي تحسب ان المضغة التي في صدرها اسفنجة تمتص الدموع...منذ ذلك الشتاء الكئيب احست بشيئ خفي تحسه و لا تراه...يتنفس عميقا.
شدت معطفها اليها فقد احست ببرد شديد ...وجدت نفسها تشق ذلك الزقاق اللعين الذي اعتادته منذ سنوات ...لاح لها ذلك الرجل الكسيح ذو العين المفقوءة ،عين واحدة كفيلة برؤية هذا العالم الابله،كعادته يعين شاحبة ...وجدت يدها تقفز الى حقيبتها...مدت له قطعا نقدية متفاوتة الحجم...لم تكن تلك ابتسامة تلك التي ارتسمت على وجهه...هل يشفق عليها؟تزاحمت في راسها الصغير ذكرى وجهها الطفولي يوما بشعر منفوش و فم سقطت اسنانه,,,كانت تجري في برك الوحل و تلتفت لترى اثار رجليها ,,,كانت تكبر و كان رجل عريض البنية يبتسم كلما راها...دس في يدها قطعا نقدية متفاوتة الحجم...رات عينان قاسيتان و قطعانا من الذئاب الجائعة تجري عاوية في سفوح شاسعة ,,,كريه ككل الرجال...تافه و حيواني...يومها ودعت الفقرو الضمير و كبر ذلك الشئء داخلها تحسه و لا تراه.
الزقاق مزيج لعين من الروائح و الذكرى ,,,وجوه متيبسة و عبون دائرية فارغة ...مسرح كبير لشخوص تموتتدريجيا تحت ضوء الحقيقة.دفعت الباب الخشبي الكبير،سمعت له صريرا كانه البكاء,,,اكان حقا يبكي؟ام هو صوت ذلك الشئء القابع تحت انقاض روحها؟؟؟...تدافعت الى اذنها اصوات نسوة... همسات الشيطان كانها اجراس تدق القلب بشراسة الغواية...المراة السمينة التي تعج بالاصباغ تتوسط المكان اشارت اليها بسبابتها "اين كنت طيلة اليوم؟"اماكن في اي مكان..."كعادتك تهربين...تواعدين رجلا ما؟؟؟ جاء صوتها كانه الجلاد...تمتمت بصوت خافت"ربما.....لا ادري...ربما ....اواعد حريتي...
جلست على حافة سرير بارد...احست انها وحيدة و منهكة و ان الله بعيد... الله؟؟؟ لماذا لا ياتي؟؟؟ ام تراه يشيح بوجهه كلما راها تضحك في حضرة الشيطان...لم يكن ضحكا...كان تمسحا باعتاب السعادة...السعادة ملكة لا تستقبل في بلاطها الملوثين و الهاربين من الضمير...الضمير؟؟؟ غائب دائم عن قلبها الظليل...و لكن اعتادت ان تكون هكذا في منطقة ما بين الوجع و الوجع...السعادة و الضمير كلها ايقونات من صنع البشر...يصنعونها ليتحدثوا بها في مجالسهم...ثم يدثرونها بالغياب ...اما هي فتزخرف عالمها بنفسها ...تصنع لنفسها تعليلا غبيا لوجودها...الم يكن الوجود نفسه محض صدفة غبية؟؟؟....
انفرج الباب قليلا...رجل طويل ببدلة انيقة،ينظر الى الارض...و لكن الرجال الاخرين لا ينظرون الى الارض؟...نظراتهم تائهة و كانهم يطاردون الفراغ...يلهثون كالكلاب ثم يرمون قطعا نقدية متفاوتة الحجم...حدجته بنظرة باردة...ربما لم تكن تنظر اليه...وردة حمراء تمتد اليها ...هو ليس كالاخرين...الاخرون لا يقدمون ورودا...انما يغرزون اشواكا في الروح...جاء صوته هادئا"لم انت هكذا؟لم يسالها احد لم انت هكذا؟لم تسال نفسها لم هي هكذا؟؟؟ لم يسالها العالم يوما لما هي هكذا...لم تر اسئلة في عيون الاخرين...كانوا صامتين لاهثين...فقط نقودهم كان لها صوت الصفعة...كان العالم يتثائب ضجرا...لمن سترفع اصبع الاتهام ؟ من المذنب في اغتيالها؟؟؟ ذلك السمين الاخرق ام اولئك البائسون الرابضون في سفوح الحرمان...ام تلك السمينة الغارقة في الالوان ام ذلك الكسيح ذو العين اليتيمة؟؟؟ ام هي المذنبة وهي لا تشعر بعد ان اضحى قلبها اسفنجة؟؟؟من ستحارب؟؟؟ هل ستحارب العالم كله؟؟؟ هل ستتهم الجميع بقتلها ذات شتاء؟؟؟  كانت كل الضمائر نائمة و الذئاب تمارس حرية الفتك بالاغنام...الله كان بعيدا و السماء صفحات صدئة لا تمطر...فقط الشيطان كان ملكا يلعب النرد و يضحك...و هي سنبلة مثقلة بالغواية ...من هذا الرجل الطويل ذو البدلة الانيقة و الوردة الحمراء التي تاتي خارج فصول الله؟؟؟ و لماذا ياتي الان على غير عادة الصدفة...؟ و يطلق وابل اسئلة لا تجد اجابتها؟؟؟الان تدرك الفرق بين اصوات المناجل و صوت هذه الجلادة السمينة...وصوت النقود الملوثة وصوت الشىء القابع داخلها...
كان لابد ان تعود يوما عبر ذلك الشارع الطويل حافية و ان ترسم من جديد اثارا في الوحل و ان يلفحها هواء رطب بارد...احست انها تعود طفلة ...حافية...مشعثة و كان القابع داخلها يصمت شيئا فشيئا...هناك تركت شرذمة من اهلها يطاردون وجودهم في حقول القمح الشاسعة...كانوا يتصببون عرقا و جوعا و عريا...امسكت منجلا...صارت منحية لاهثة مثلهم ...كانت تراه بين سنابل القمح ببدلته الانيقة ووردته الحمراء...ياتي الى ذاكرتها هادئا ...ياتي صوته مدويا لم كانت هكذا؟؟؟ هل ياتي ذات صدفة؟؟؟ هل تراه يبحث عنها و يرسم وجهها على اوراق بيضاء و على الجدران الرمادية الصامتة ،هل تراه يلاحق وجهها في الوجوه و عطرها و اسمها؟؟؟ هل تراه يذكرها و يذكر انها كانت يوما قديسة بمخالب الذئاب و انها كانت تبحث عنه دون ان تشعر و دون ان تدري انها تبحث عنه و انها بغباء ما او بذكاء ما اضاعته كي يكون ابديا...متحررا من قيد اللحظة و من جبروت الذكرى...الاخرون صاروا مجرد اصوات بعيدة ...لعالم اعرج...كم كان زائفا ذلك العالم...كم كانت مزيفة...فزاعة عرجاء تعمرها طيور سرعان ما ترحل...هل تبكي ام تضحك ام تصمت ؟؟؟ فقط ستنحني و تعمل...عادة الاشقياء كي يلجموا احاسيسهم و ينتظروا الغد ببلاهة...