قبْلَ الرَّحِيل
عُصْفُورَتِي
أَعِيرِينِي أجْنِحَتَك
أُحَلِّقُ فِي سَمَاءِ طُفُولَتِي
أختبئُ فِي ثَنَايَاهَا
أستعيدُ النَّبْضَ
وأنثُرُ الحِكَايَاتْ
سُأُكَحِّلُ عينَ الشَّمْسِ بِدُمُوعِ الثَّكَالَى
وَأُزَيِّنُ شِفَاهَ الغُرُوبِ
بِلَوْنِ الشَّفْق
وَمِنْ سَوُادِ الليلِ
سَأَضَفِّرُ جَدَائِلَ عَرُوسَ القَمَر
وأغسلُ ترابَ المَاضِي المُتَرَاكِمَ علَى
جَسَدِي
عَلَى أَوْرَاقِي
بِنَدَى القَطَرَاتْ
يَا أَمَلِي المَدْفُونَ فِي مَقَابِرِ حُزْنِي
أيُّهَا النُّورُ المخْتَبِئُ فِي بَقَايَا الرِّيحِ
أبْحَثُ عنكَ فِي أشلاءِ المَطَرْ
فِي شَدْوِ البَلَابِلْ
فِي رَحِيقِ الزَّهْر
فِي تغْرِيدِ العَصَافِير
في رحلةِ صمتٍ على متْنِ
قواربَ صَمَّاءْ
يا خيوطَ الشمسِ الدَّافِئَةَ
لَا تَغِيبِي حتَّى تَبْعَثِينِي
رُوحاً منْ رَحِمِ الضِّيَاء
وَحَتَّى تُغَنِّي
قَصَائد شُرُوقِي علَى الصَّباحْ
هذهِ أنغامي طوَّقتُ بها خَصْرَ الأُمْنيَات
وَ رَاقَصْتُها قبلَ الرَّحِيل
مَعْزُوفَةً تَكْسِرُ فِي خَافِقِي النُّور
وتَرْسُمُ الحسرةَ على الشِّفاهْ
وأنتَ تَعْشَقُ التَّمَدُّدَ على أريكةِ الماضي
حيثُ تسْتَنْشِقُ الرَّمَاد
حيثُ تُراقصُ أطْيَافَ الحُزْنِ
و تُلْقِي ظلامَ الليلِ على براءةِ السَّمَاءْ
وَعَلَى صَدْرِي
تُبَعْثِرُ الحكاياتِ القديمةَ
عَبَثاً يُلَمْلِمُهَا الأَرَقْ
والليالى عَصِيَّةُ الموْت
مشنوقةٌ خلفَ الضَّبابْ
وعُيُونُ الفَّجْرِ الحزينةُ تَرْقُبُ الأَمَلْ
تَخْتَلِسُ الفَرَح
تَغْرِسُنِي فِي حُقولِ الصَّبَّارْ
يَا قَلْبِيَ المُسْتَرْخِي
علَى أعْشَابِ الوَهْمِ
فِي ليالى الجَّفَاءْ
تَسْكُبُ السرابَ على جسدِ الصحراءْ
تُمشِّط خُصلاتِ الرِّمَالِ بأنَامِلَ
أرْهَقَهَا الجَفَافْ
و الرِّيحُ الصَّمَّاءُ تُجْهِض الأَجِنَّةَ
فِي رَحِمِ اللقاءْ
جَسورةٌ أيَّتُهَا الحياة
وَشَقِيَّةٌ أنَا بِكِ
يَا بَعْضِي المُتَرَاكِمَ
يَا قَارِعةَ الطَّرِيقِ كَفَى نِدَاءْ
مُمَزقَةٌ أنَا بيْنَ الصَّمْتِ
والرَّغْبَةِ فِي البُكَاءْ
لوْ يحمِلُ القمرُ عن صدْرِي العَنَاءْ
لوْ تُدْفِئُ الشَّمْسُ قلبِي الحَزِين
وتَمْلَأ حَقِيبَتِي غِنَاءْ
آهِ يَا فُصُولِي الهارِبَةَ منْ عُمْرِي
يَا خجَلَ أكُفِّ الحِنَّاءْ
أشْتَاقُ إلَى زَغْرُودَةٍ لاتَنَامْ
أشتاقُ لعيونٍ لا يُطْفِؤُهَا البِعَادْ
أشتاقُ لنُورٍ لا يَحْرِقُ الفَرَاشَات
أشْتَاقُ للحَنٍ يُعيدُ للوَتَرِ الغِنَاءْ
لنجومٍ لا تَتَسَاقَطٌ منِ السَّمَاءْ
وَ تَسَاقَطَتْ حُرُوفِي
تَبَعْثَرَت الأَوْرَاقْ
وَلَا أحدَ يُلَمْلِمُ الكَلِمَاتْ
وَحْدِي فِي شَوَاطِئِ الحُزْنِ
أُسَامِرُ الضَّوْضَاءْ
فِي تَارِيخِي عشْقُ القبورِ للأَجْدَاثْ
و فَارِسٌ أضاعَ الجَوَادْ
وفِي قلْبِي بِدَايُةُ وَنِهَايُةُ الحِكَايَاتْ
والطُّيُورُ العِطَاشُ تَسْتَسْقِي
أنينَ يَهْوَى السَّفَرْ
يَسْكُنُ الشَّجَرْ
وَحَبَّاتِ المَطَرْ
وَيَسْكُنُ الغِيَابْ
والماضِي
الماضِي يَأْبَى الرَّحِيل
يُطوِّقُ الأمْكِنَةَ ببرْدٍ يسْبِقُ الشِّتَاءْ
سُحُبهُ العمياءُ تجُوبُ الأَرْجَاء
تُوقِظُ وجعَ الموتِ فِي أَوْرِدَتِي
وتَغزِلُ منْ أوراقِي القديمَةَ كفنَ المَسَاءْ
و أنتَ
تُغَادِرُنِي شيْئاً فشيْئاً
والمطرُ يحْتَضِرُ في عُيونِ السَّمَاءْ
ذَبُلَ اليَاسَمِينُ
ومَاتَ الرَّيْحَان
وأنَا فِي الغُصْنِ اليَابِسِ
بينَ عجائِزِ الأَشْجَار
والضَّحِكَاتُ تَتَنَاثَرُ معَ غُبَارِ اليَأْسِ
تَخْنُقُ الأَنْفَاسْ
تُغَادِرُنِي وتصْطَحِبُ معَك
وَجَعَ المَسَافَاتْ
تَنْتَزِعُ الضَّوْءَ
وَتَنْشُرُ الصَّمْتَ فِي الفَضَاءْ
فَلْتَرْحَلْ
لمْ تعُدْ شُمُوسِي تُريدُ البَقَاءْ
ولا صَرْخَةُ الشَّوْقِ
تَوَدُّ الغِنَاءْ
ماتَتْ ليْلَى
والْتَحَفَ قلْبُهَا العَرَاءْ
لنْ أجمعَ حبَّاتِ المَطَرْ
لنْ أرْتَشِفَ منْ عَيْنَيْكَ الأَمَلَ
ولنْ أُبَللَ بدُمُوعِي شِفَاهَ الشَّوْقِ
لَمْ تَعُدْ مِحْبَرَتِي حُبْلَى بِمَشَاعِرَ بَلْهَاءْ
عَرّت الرِّيَاحُ أَغْصَانِي
وَ أَشْجَارِي مازالتْ مُثقلةً بَرَغْبَةِ البقاءْ
سَأَرْتَدِي رِدَاءَ الصَّمْتِ
وَألمْلِمُ بَقَايَا النُّورِ
وأخرجُ منْ شُقُوقِ الظَّلامْ
سَأُضَمِّدُ جِراحَ المَاضِي
أحْفِرُ قبري بيَدِي
وأُوقِدُ مِدْفَأةَ الشِّتَاءْ
ما خُلِقتُ من ضِلع الهوانْ
لكن سُفِكَتْ دِمَائِي
وسُكِبتْ فِي أقْدَاحٍ سَوْدَاءْ
د/ أميرة عبد العزيز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق