دَعْ رَفِيفَكَ يَسْتَبِيحُ المَدَى
لِأَسْتَيْقِظَ مَاءً خَلْفَ نَدَاكَ
أَجْمَعُ مِنَ الطَّحَالِبِ عَيْنَيَّ
أُخَاطِبُ الْقَيْقَبَ الَّذِي يُطَارِدُ مِعْطَفِي المَاطِرَ
أَصْرُخُ فِي الرُّجُوعِ:
يَا هَلَاكَ المَلَاكَ
يَا خَوْفَ الْأَشْجَارِ المَسْلُوخَةِ
أَيُّهَا الْإِعْصَارُ فِي أَوْرَاقِ اللَّهَبِ
أَيُّهَا الْمِقْبَضُ فِي زَرَدِي المَخْفِيِّ
يَا شِدَّةَ التَّوْقِ الَّذِي يَهْوَى الْأَشْيَاءَ الْعَمِيقَةَ
يَا صُوَرَ الْقِطَافِ
بَارِكِي هذِهِ الْأَقْدَاحَ حَتَّى يَطْفَحَ الزَّبَدُ حَلِيبًا
بَارِكِي عُقْمَ التُّرَابِ المُتَيَتِّمِ
هذِهِ كَثَافَةُ الضَّحِكِ تَرْقُصُ دَاخِلِي
الْآنَ أَرَانِي فَوْقَ ضَحِكَتِي أُحَلِّقُ وَأَبْتَكِرُ النُّورَ
زَغَبُ قَلْبِي يُدَغْدِغُنِي،
وَدَمْعُ الشَّمْسِ فِي عَيْنِي المُلْتَحِمَةِ
ابْتَلَعَنِي صَمْتِي مُبَاغَتَةً،
وَعَرَّى صَفَائِحَ الْيَقَظَةِ،
وَوَهَبَنِي حُرِّيَّةَ الْهَوَاءِ.
*
أَنْتَ.. يَا ذُو الْعَيْنَيْنِ الْعَالِقَتَيْنِ
يَا سَمِيَّ الرُّؤَى
الرُّوحُ بِأَزِيزِهَا المُضْجِرِ تَسْكُنُ فُتَاتِي
فِي رِيحٍ مَشْمُوسَةٍ لَاذِعَةٍ
أَبْرَاجُ الْحَمَامِ مُسَافِرَةٌ فِي شَعْرٍ أَجْعَدَ
تَفْتَحُ فَجْرًا يَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي مُتَأَجِّجًا قَوِيًّا
أَسْتَرِيحُ فَوْقَ قَمِيصِي المَنْسِيِّ،
وَفِي جَهْلِ هذَا الشَّبَقِ
يُطَقْطِقُ الْوَقْتُ فِي عَجَلَةِ الْكَوْنِ.
*
يَا هذَا التَّدَفُّقُ فِي نِصْفِ الْعُمْرِ
إِنِّي أُنْهِي انْصِيَاعِي،
وَأَخْتَرِقُ الْبَهِيمِيَّة بِتَمَرُّدِي،
وَأَهُزُّ الْكَتِفَيْنِ فِي رُوحٍ مُثْلُوجَةٍ لِيُبَارِكَ اللهُ قَلْبِي،
وَيَغْفِرَ لِجَسَدِي تَأَوُّهَاتِهِ المُرِيبَةِ..
سَأَدْخُلُ الْأَزْمِنَةَ مِنْ بُؤْبُؤٍ دَاكِنٍ،
وَأَفْتَحُ كَهْفَ الْعَيْنِ المَطَّاطِيَّةِ،
وَأَدُورُ فِي مَدَارِي بِمُنْتَصَفِ عَيْنٍ..
هذَا الرِّيشُ عَلَى قُبَّةِ الْحَرِيرِ طَائِرٌ بِرَأْسِهِ بَلَلٌ
فَاجَأَنِي أَنِّي أَرَانِي حَمَامَةَ قِدِّيسٍ
أَنْتَصِرُ فِي قَرْعِ الْأَجْرَاسِ،
وَأَبْتَلِعُ المُوسِيقَى فِي اللَّذَةِ الدَّاكِنَةِ
كَيْ تَنْمُوَ فِي الزَّخَارِفِ الذَّهَبِيَّةِ،
وَتَرْتَدِيَ تَرْتِيلَ اللَّيْلِ وِشَاحًا..
لَا تُطْفِئِ الْأَضْوَاءَ الْأَرْضِيَّةَ،
فَمَا حَانَ بَعْدُ أَوَانُ الْقِطَافِ
اتْرُكْنِي، وَلَا تَشُدَّ نُمُوِّي
كَيْ أَبْقَى المَائِيَّةَ فِي مَوْجِ الطِّينِ
أَرْمِي عُنُقِي فَوْقَ المُخْمَلِ،
فَمُنْذُ زَمَنٍ وَقَلْبِي مَأْخُوذٌ مِنِّي
أُطَارِدُهُ بِرِدَاءِ الْحِيلَةِ.
*
تَقْذِفُنِي رُوحِي،
وَرُوحِي تَلِجُ عُمْقَهَا
تَقُودُنِي خَلْفَهَا الرُّدْهَاتُ
مَسَاءٌ يَلْحَقُ مَسَاءً،
وَرَعْشَةٌ تَهْمِسُ أَنْ تَعَالَيْ نَسْمَةً دَافِئَةً،
وَنَامِي فِي الْأُعْجُوبَةِ.. نَامِي
اصْدَحِي فِي قِمَمِ الصَّدَى وَدِيعَةً بِمَا يَشْتَهِي النَّجْمُ..
أَأَكُونُ سَمَاءً؟
يَا لَحَظِّ خَطِيئَتِي
أَدْخُلُ اللَّحْدَ،
وَأَشْرَبُ شَرَابًا جَرِيئًا..
أَيُّهَا المُبْهِجُ غَطِّ امْتِلَائِي،
وَاقْتُلِ انْعِدَامي،
فَقَدْ طَوِيلًا بَكَيْتُ،
وَنَاحَ دَمْعِي بِلَا مُهَادَنَةٍ..
صِرَاعُ ذَاتِي قِمَاطُ مَسَائِي
نَسِيتُ كُلَّ عَذَابِي المُحْتَشِدِ،
وَأَزْهَارِي الصَّغِيرَةُ نَسِيَتِ النَّاصِيَةَ
أُنَاظِرُ النَّسَائِمَ بِضَوْئِهَا،
وَأَرْفَعُ عُمْقَ الرُّوحِ فِي أَثِيرِ المَخَاضِ،
فَهذَا الْوَقْتُ مُعْتَلٌّ
يَذُوبُ فِي الرِّيحِ
يُهَيِّجُ نُسْغِي
يَسِيرُ قُرْبَ قَلِبِي كَمُبْدِعٍ بِخُطُوَاتٍ مُوَارَبَةٍ
مَنْذُورَةٍ فِي الرَّخَاءِ
تَتَبَوَّؤُنِي حُبُورًا
تُسَطِّرُنِي أُرْجُوَانًا،
وَالْعُمْقُ يَتَرَصَّدُنِي سُكُوتًا..
طَافِحَةُ الْقَلْبِ أَنَا
أَفِيضُ أَكْثَرَ فِي لَآلِئِ عَيْنِ الْقِدِّيسِ خَمْرُةَ مَوْتٍ غَضَّةً
تَحْتَ الْجِلْدِ المَحْزُونِ بَرِيقٌ يَضْحَكُ يَقِينًا
بَهَارِجُ نَمَتْ عَلَى أَطْرَافِي؛
أَطْرَافِي مَفْتُوحَةٌ تَنْتَظِرُ الْهُبوبَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق