الاعضاء

السبت، 23 يوليو 2011

التطهّر بالكلمات الشاعرة زهور العربي خلاصيا د. رياض الأسدي

مقالة مميزة للناقد والأديب د. رياض الاسدي .... مع خالص تقديرنا واحترامنا .....
ــــــــــــــــــــــــــــــ​ــــــــــــــــــــــــــــــ​ــــــــــــــــــــــ
التطهّر بالكلمات
الشاعرة زهور العربي خلاصيا
د. رياض الأسدي

أزعم إني قرأت كثيرا لهذه الشاعرة التونسية في المدة الأخيرة والتي عرفت نفسها على (بروفايلها) أنها عربية حتى النخاع؛ هكذا هم التوانسة تقريبا عروبيون حتى النخاع أيضا ولا يسلمون إلا لهذه الروح الغائرة في الصدر عميقا. عروبيون خلص ليس بالمعنى السياسي وبالتزام القضايا المصيرية للأمة بل بالمعنى الثقافي الأوسع أيضا.
امرأة من زمن الحب العربي الجديد وصوت شعري متفرد قادم بتؤدة لايعرف الخور ويتقدم بثبات من الشمال الغربي التونسي وهو يرفل في حلل هذه المنطقة الجميلة بطبيعتها الوارفة الظلال والخضرة إذ طبعت روح الشاعرة بطابعها الخاص. لذلك تجد الطبيعة حاضرة في معظم نصوصها كلزوم لكلّ ما يلزم. وهذا الصفاء الروحي يتقدم بالكلمات المتطهرة – كما هو شأن العلاقة الروحية بالطبيعة التي يقيمها الزهاد والعارفون- من اجل غد عربي ليس لتونس وحدها بل لعموم العالم العربي أيضا. فتستلهم زهور العربي روح الخلاص والقدرة على التغيير من خلال الكلمات التي توظف بقوة لصالح الإنسان وتطلعاته المشروعة في هذه المنطقة المدموغة بالعسكرتاريا منذ عقود خلت.
لذلك لا يستغربنّ أن تكون تسونامي العرب المدمر لكل أشكال الخنوع والذل والظلام قد بدأ من محمد بوعزيزي؛ ذلك الشاب الذي أضرم نارا لا نهاية لها ودخل التاريخ العالمي من أوسع أبوابه بفعل موقف واحد مهيب. وتمتلك زهور العربي من الخزين الشعري الكبير حول حزنها العربي وولعها بالإنسان العربي وهمومه بما يكفي ليذكر بمحمود درويش وسميح القاسم ومظفر النواب واحمد مطر وآمال الزهاوي وغيرهم من الشعراء الذين حملوا هموم الناس وقدموها على شكل قضية تستحق النظر. تكتب زهور في حضن القمر:

(أهرب من وعائي
من التّبعيّة... لفمي
لأطرافي
لأمعائي
أغتسل من أدران
حماقاتي)

فالصفات الشخصية (لغة الجسد) تمتلك حضورا متميزا ليس على نحو آخر كما يحلو لشاعرات أخريات حينما يكون الجسد عبئا شعريا عليهن وينتظرن منه (لاخلاص) بل إن الجسد بالنسبة للشاعرة زهور العربي كيانا يمنح الحرية والتطهر وهذا الوضع بلاشك جاء من إيمان ديني عميق بالله سبحانه وليس بالجسد نفسه. فالهرب من تبعية الجسد وغلواءه يكاد يسمو ليتصل بالروح ومن هنا تكمن أهمية الشاعر المرتبط بهموم الآخرين وهمومه الشخصية والفكرية من الشاعر أو الشاعرة التي يكون الجسد هما فلسفيا يودي بصاحبه إلى عوالم للغوص في ظلاميات هذا الجسد وغيبوبته الغريبة. ومن هنا جاءت صرخة أغتسل من أدران حماقاتي.
ومن اجل أن تتم عملية التطهر بالكلمات على نحو كبير وواضح تكتب الشاعرة:

( وأتوشح بوجه الفجر
وأوقظ كل المنارات
لتشهد انبعاثي)
وما حالة الانبعاث تلك إلا استمرارا للرؤية الدينية في قيام الأجداث حيث تفترضها زهور العربي قائمة الآن شعريا وجسديا وروحيا قبل القيام الأكبر. ولذلك فغن الشاعرة ترتبط بقضايا الأمة وبحركتها نحو التحرر والانعتاق وهي لا تألوا جهدا في إظهار هذا الوضع(عربية وافتخر).
ولا تخفي زهور ولعها بتأثيث النص من مفردات الطبيعة والانسياق إلى المحلية في محاولة أخرى لرصد حالة الرفض والانعتاق فتكتب في السنديانة التونسية من اجل احتراف البقاء:

( كسّنديانة شامخة لا تشتكي
يجثو على صدرها شبح
الصّمت
راسية كجبل الشعانبي
كنبات بريّ)

هكذا تجد الشاعرة نفسها من جديد باقية وحية ما بقيت أشياء وطنها وشجرة السنديان هي الشاعرة نفسها وهي تونس الخضراء أيضا وقد توشحت بالفجر من جديد بعد طول ظلام. والشاعرة لا تشتكي العنت والقسوة لأنها مؤمنة بمن سوف يزيل كلّ ذلك لتنطلق الحرية في شعاب تونس كما السيول الجارفة. مثلما هي في (حضن القمر) تريد أيقاظ كل المنارات والتهليل بقوة الأمة للنهوض من جديد متوشحة وجه فجر عربي ليس قادما بل هو حاضر ماثل مكتسح لا يعرف التوقف.

(يومض البرق في صدرها
تنفرج ظلمته
تنطلق أخيرا من الأعماق
صرختها
سعيرا كما الزّحف الهلاليّ
يمتدّ
ترتوي كلّ أوراقها العطشى لنبيذ
النّور)
تعتور الثورة في صدر الشاعرة كبرق سماوي أخاذ لتنفرج ظلمة السنوات العجاف الطويلة لكنه برق من الأعماق حيث يمكن للقيم والمبادئ المرتبطة بإنسان هذه المنطقة تحديدا. لا تشغل العربي نفسها بترهات العالمية المبكرة كما يفعل كثيرون وكثيرات من الشواعر بل هي محلية حتى النخاع ومن هنا لا ينطلق سرّ قوتها الرؤيوية والشعرية كإنسان أولا وكشاعرة تحمل هموم شعبها ليس كما فعل آخرون بادلجة مبتذلة بل بالتزام إنساني عميق وفهم متقدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق