الاعضاء

السبت، 16 يوليو 2011

زهور العربي في قراءة لقصيد الشّاعر التّونسي سالم مساهلي




الكلب وابن الكلب
من ذا يُلام ُوهل يفيد عتابُ  .... منذ اعتلى عرشَ الزّمان كلابُ
تفنى نفوس الناس تطلب لقمة .... ويعيث فيها الكلبُ وهو مهابُ
لو كان يدري من يموت بجوعهِ .... أن التمسّح بالكلاب يُجابُ
لرجا جناب الكلب يطلب قُربه .... وعلى الشفاه قصيدة وخطابُ
................
هذا زمان زلزلت فيه المروءة .... والمبادئ ، هانت الألقابُ 
وتدثر الصّدق الفصيح بصمته .... وتمنطق الخوان والكذابُ
الكلب أوفى لو خبرتَ فناءه .... في نصرة الإنسان حين يصابُ
ويُريك من عجب الثبات على الوفا .... ما يحتويه على الدّهور كتابُ
فبأي عقل قد نصدّق ما نرى .... وبأي قول تفخر الأرباب ؟
هذا بن آدم ينحني متوددا .... للكلب ، خلفه محفل وصحابُ
تزهو الكلابُ على الأرائك حرّة .... والآدمي مقامه السردابُ
................
هذا زمانك يا كليبُ  فعندنا .... جنس جديد ثالث وعُجابُ
فيه من الكلب القديم لهاثه .... وعواؤه الملحاحُ والمُرتابُ
ومن الذئاب الغدرُ حين فُجاءة .... ومن الثعالب رَوغُها الهرّابُ
 ومن الأفاعي لينُ ملمسها الذي .... يُغري فيُردي سمّها المنسابُ
يا كلب هذا العصر ملتبسُ الرؤى .... والصادقون أعزّةٌ أغرابُ
والزاحفون إلى الموائد أوغلوا .... في الانبطاح ، وحارت الأسبابُ
لا شيء يوقظهم من الطمع الذي ....عكفوا عليه ، وهم به حجّابُ
 باعوا به الإحساس في أعماقهم .... لا مجد يعنيهم ولا أحسابُ
يا أيها الساعي ببطن شراهة .... الكُلّ يمضي والمتاع تُرابُ
لا فضل للإنسان إن نسي المدى .... وتدحرجت في عرفه الأنسابُ
وتداعت الأشواق في وجدانه .... وارتد عنه الوحيُ و الآدابُ
.
سالم  مساهلي





الكلب وإبن الكلب ...هي قصيدة للشّاعر التونسي الغنيّ عن التّعريف سالم مسالهي كتبها على وزن واحد من بحور الخليل الشّهيرة البحر الكامل وكأنّه يريد ان تصلنا صرخته كاملة ليفحم بها القارئ أو ربّما الكلب وليصدح عاليا بكامل طبقات صوته ليبلّغنا معاني مقطوعته وأبعادها الكاملة . من خلال العنوان اخمّن انّني امام قصيد من نوع خاص فمن هو (الكلب )؟ ومن هو (ابنه) ؟ واحسّ سخطا وموقفا صريحا لكلمة حرّة نعتزّ بها فهل سيتأكّد لي ذلك بعد توغّلي في القصيد ؟؟؟
يستهل الشّاعر قصيده بسؤال محمّل بحيرة مرّة وحسرة أمرّ إذ انّ هذا السّؤال فيه إدانة للزّمن 
من ذا يُلام ُوهل يفيد عتابُ .... منذ اعتلى عرشَ الزّمان كلابُ 
الذي أصبح فيه الكلب بيده نعمتنا واعتلى العرش وسوط الجوع في يده اليمنى وفي يساره أقداح الذّلّ معتّقا يسقيه لكلّ من يطلب نعمه 
++تفنى نفوس الناس تطلب لقمة .... ويعيث فيها الكلبُ وهو مُهابُ ++
الآن وضحت الرؤية فأنا أمام قصيد هجائي يتهّم فيه شاعرنا الزّمن وكأنّه يريد أن يلبس التّهمة لغير بني جلدته أو هو هروب من إحساسه بالمسؤولية بأيّ شكل من الأشكال ( لكن نعيب الزّمان والعيب فينا ) فلا ذنب للزّمن هنا فلو أستطاع الزّمن لهجانا وشكانا . والمهانة فعلا ان يضطر الإنسان الذي لم يرتق إلى منزلة الكلب أن يتقرّب من ولي نعمته ويسجد أمامه مرتّلا قصائد تملّق لكسب ودّه
هذه الكلمة التي عبث بها المثقّف في عصر الإنحطاط وأفقدها قيمتها بصمته الفاضح أمام ما يحدث  ونسي أنّها كلمة كتاب اللّه أي كلمة الحقّ لكن الكلّ ركب موجة الخنوع وركن للمصير المهين والتّعلّة لقمة يأكلها مغمّسة بماء وجهه
 ++تفنى نفوس الناس تطلب لقمة .... ويعيث فيها الكلبُ وهو مُهابُ
++.فبئس حياة أصبحت فيها الكلمة ثمن اللّقمة ويا ليته ينفع مع الكلب بل عصاه تزيد غلاظه كلّ يوم
 لو كان يدري من يموت بجوعهِ .... أن التمسّح بالكلاب يُجابُ 
++وكأنّي أسمع المعرّي حين قال 
ومن شرّ البريّة رب ملك==يريد رعيّة أن يسجدوا له ++
يواصل شاعرنا تدفّقه وثورته ونقده للواقع في نسق متسارع يعكس سخطه وأنينه الذي يثقل وجدانه ويأخذ لنا صورة فتوغرافية قاتمة لنوعيّة زمنه يكشف فيها كلّ عوراته وسوءاته فنعرف أنّه زمن الجدب والخواء من كلّ القيم والمثل هذا زمان زلزلت فيه المروءة .... والمبادئ ، هانت الألقابُ فلا مروءة ولا مبادئ ولا صدق ولا وفاء بين بني جلده
 ++ الكلب أوفى لو خبرتَ فناءه .... في نصرة الإنسان حين يصابُ 
  •  تظهر هنا  قطيعة الشّاعر مع الإنسان الجحود ففضّل عليه الكلب .لقد كانت الأوصاف والصّور مؤلمة والحكم قاس لكن للشّاعر عذره في ذلك  فهذا الإحباط الذي يعذّبه نتاج واقع مخز أصبح فيه الكلب سيّد الموقف و(إستكلب) أن صحّ التعبير الإنسان ورضي بوضعه بل وأدّى دوره بإتقان يا لمرارة هذا الإحباط . لذلك يمدح الكلب وبشدّة وكأنّه ينفي عالم الإنسانيّة ليحدث عالم كلاب فالأمل في بني جلدته انعدم . أرى انهزاميّة مغلّفة وذات مثقلة بيأس عشّش في والجدان وثورة متأجّجة يريد أن يخمدها فلم يجد غير هذه المقارنة التي آلت الغلبة فيها للكلب وما تحمله هذه المقارنة من مهانة لبني جنسه .
    تتضخّم أزمة الشّاعر فيحكّم العقل ويسأل يائسا وثائرا لكنّه سؤال يتضمّن الإجابة بين سطوره فالشّاعر في اضطراب وسخط يسأل ويعرف مسبقا أن لا حياة في الألباب فكان مثل( الطّير الذي يغنّي وجناحه يردّ عليه) كما تقول جدّتي رحمها اللّه فهل سيجيبه هذا البني آدم السّاجد للكلب؟؟بالطّبع لو كان يملك الإجابة لكان ألقى نفس سؤال الشّاعر على الأقلّ فبأي عقل قد نصدّق ما نرى ....
     وبأي قول تفخر الأرباب ؟
    ++هذا بن آدم ينحني متوددا .... للكلب ، خلفه محفل وصحابُ +
    +يخرج الشّاعر من صراعه الذّاتي ليسقطه سخطا وعتابا على من هانت كرامتهم اما م الكلاب التي تمرح على الأرائك متغافلة عمّن دفنوا وهم أحياء في سراديب الذّل هذا القبورالذي نراها ورحى الزّمن تسير نحو الألفيّة الثّالثة فهل يعقل ذلك؟؟ وهل يقبله العقل ؟ هنا يجفّ حلقي وألعن الكلب الذي ساس بغير عدل  وألعن صمتي  وكلّ الأقلام الصّامتة.
    يواصل الشّاعر سخطه ويوجّه مجهره نحو هذا الكليب ليكشف لنا عن تركيبته اللّااخلاقيّة 
    هذا زمانك يا كليبُ فعندنا .... جنس جديد ثالث وعُجابُ 
    ويمطره شتما بأسلوب مباشر وكأنّه يشفي غليل جيلا بأكمله فها هو يصغّر من شأنه ويقزّمه ويصفه بالجنس الثالث وما لهذا الوصف من إهانة اخلاقية وما يحمله من قذارة وما فيه من تيه وتمزّق وضعف إرادة فهو خليط  من أربع حيوانات فمن الكلب القديم أخذ العواء هذا زمانك يا كليبُ فعندنا .... جنس جديد ثالث وعُجابُ
     ومن الذّئب أخذ الغدر ومن الثّعلب مراوغتها الذئاب الغدرُ حين فُجاءة .... ومن الثعالب رَوغُها الهرّابُ ومن الأفاعي أخذ نعومتها القاتلة ومن الأفاعي لينُ ملمسها الذي .... يُغري فيُردي سمّها المنسابُ
     فكيف لمثل هذا الكليب المخضرم المنبت والمهجّن أن يتربّع على العرش ويسوس ويرتقي بالإنسان الى مرتبة الآدميّة؟ ففاقد الشّئ لا يعطيه لكن ارجع وأقول وعلى لسان المعري=
    = أعاذل إن ظلمتنا الملوك== فنحن على ضعفنا أظلم 
    يمتدّ لسان شاعرنا آخذا من البحر الطّويل صفته ليخاطب الكلب ويعلّل له ضمنيّا سبب وجوده مسقطا الإثم على الدّهر
  •  يا كلب هذا العصر ملتبسُ الرؤى .... والصادقون أعزّةٌ أغرابُ 
  • =الذي اختلط فيه الحابل بالنّابل وغاب صوت الصّدق وأصبح أصحابه خرسا أغرابا  حينها يتمكّن اليأس من شاعرنا لسان حال عصره فيرى أنّ هذا الإنسان أدمن القيد والسّجود ولن يختار المدى .هذا المدى الذي يمثّل الإنعتاق والحريّة
  • والرّجوع للآدمية وبالتّالي مغادرة السّرداب ومعانقة النّور
  • لا فضل للإنسان إن نسي المدى .... وتدحرجت في عرفه الأنسابُ  =
  •  لكن لا يكون ذلك بدون تضحية وكيف يضحّي وقد ماتت فيه روح المبادرة والفعل وإبتلع لسانه وأدمن لغة التمسّح ..وركن للسّكون ودخل في مرحلة سبات لا ندري متى تنتهي .
  • بذكاء وحرفيّة استدرجنا الشّاعر في جولة مريرة و تلاعب بنا وأيقظ جراحنا فتارة يأخذ الإنسان على صدره وتارة يركله بعجزه وتارة يلومه وطورا ينكره وأخرى يطلق لسانه طويلا ليدافع عنه فيواجه كلب العرش ويلوم الزّمن هذا الزّمن ضحيّة كلّ الشّعراء فكلّما اشتدت انكسارات الشّاعر يسقطها على الزّمن هذه القوّة التي تقبل العتاب ولا تجادل فكأنّ الشّاعر يريد أن يجد مخرجا وحين لم يستطع جعل من الزّمن شمّاعة علّق عليها أخطاء بني جلدته هنا يكمن تعاطفه معهم وإحساسه بهم فيتعبه ضميره المعذّب بين ما يجوز وما لا يجوز في عصر المفارقات.
  •  قصيد ثريّ لغة وصورا وانزياحات واستعارات ومعان في السّطور وما بينها فنجد الصّدر من البيت مثقلا بالهموم والعجز يرفس الأرض ثورة والآهة المكتومة تحرّرت وكانت سياطا جلدت الكلب وأبن الكلب والدّهر والزّمن ولعلّ أقسى الجلدات نالتها روح شاعرنا فأدمت وجدانه ولم يجد غير الكلمة ملاذا لكن هل تغيّر الكلمة واقعنا ؟؟ ف (لا يغيّر اللّه ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم )ويبقى الأمل شاعرنا الغالي متأكّدة انّني لم آت على كلّ ما جاء في القصيد لكن تعبت من الكتابة ههههه
      اجمل تحيّاتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق