الحركة الأولى
على ربوة والمساء يقترب
جلست أرقب حركة الحشد الحثيثة
عن كثب...
في مشوارها الحديث للتخلّص من الضّلال المبين ،
تهرب من الوعيد
وتعربش القلوب بوعد الله
الزّهّاد المعتّقون في خمرة العزلة
ينحدرون مع الغروب في احتفاليّة المساء
ترافقهم ضبابيّة الظِّلال وأصواتهم الرّخيمة بالدّعاء
يخترق الدفّ تلك الهيبة
بدقّاته العشوائيّة المتوحّشة
يفترس الرّغبة الملتهبة
كما لون الشّمس المنسكب من شفة السّماء
الأنامل الّتي تضرب الجلد الحامي
تعرف طريقها جيّدا نحو المخبوء
تسلس الأجساد شكيمتها المغدورة لشهوة الدفّ وزحف الأنامل
فتبدأ تسّاقطها في الهواء
تتناثر الشّعور السّائبة،تنحرف التّأوّهات ،وتنفرج العقدة...
تستمرّ في الهبوب الموسيقى المعربدة
هي لن تهدأ
حتّى تنسكب الأرواح وتنسلّ كالشّعرة من أضغاث الحلم
إلى سحر القوّة البرّية
أمطري أيّتها الروح ولتتكاشف القلوب
لينثر الانتظار ما خبّأه في معاطفه من ياسمين
تصدح الحناجر بالنّشيج الضّال
تقلّب دمها بحثا عن عدالة الله
يا الله" !...
أحبّك أكثر
وهذا العالم يتشرّد، يهدر فرصته في المضيّ قدما نحو الفجر
و أتشبّث بحبّك أكثر
في عالم يطفح بالكراهيّة
إنّه يسقط...لاشيء يردعه...لاعثرة في المنحدر
وإنّي أتلاشى فيك أيّها الرّحيب
بكلّ الجنون"...
اهطلي أيّتها الرّوح...
فالأرض المكلومة،عشّاقها الفسّاق نهبوا فرحتها
والمتيّمون بشذى الدّخان أوقدوا النّار في الذّراعين الأبيضين
واشتعلوا في هبّة الخشخاش وهلوسة الشّيطان...
لا وقت لي لأرتّب الإيقاع وتواتر الصّور
فالانثيال أشدّ من سرعة الضّوء
لا وقت لي لأرتّب المفاهيم
ولا أدري أأرجّح كفّة البقاء أو السّفر؟...
في الحرب كلّ المسلّمات تندثر
لا وقت لقراءة النّبوءة و لا للعبقريّة المفرطة
...
فاهطلي بباكورة الحبّ
وانتصري...لتبارك البشرَ السّماء
بمدد من الرّحمة وعنفوان البهاء
الحركة الثّانية
أتمدّد والفجر يقترب...
جسدي لازال ينتفض من جنون الرّقصة وحرارة النّشيد
الرّبوة ذاتها ...لكن لا حشد ...تلاشى... كلّ شيء سراب
أتراها تلك الحمّى؟...أعصب رأسي بكفّيّ العاريتين وأحدّق في الأفق...
شجرة مسنّة تغضّن جذعها...وجدار قصديريّ يغطّي المدى ...فقط ...لا صدى
أين ذلك الصّخب؟
تراودني شهيّة الحلم وينال منّي التّعب...
أسند ظهري للعشب وأنام...أتقلّب ...ينكش الحنين الذّاكرة الحافلة:
الأغاني الشّعبيّة ... وليمة الرّبيع ...احتفال الحصاد ...صورة لأمّي وهي تضحك، وهي تنحني للسّنابل، وهي تروي الأحاجي وتردّد الأهازيج بملاحتها الفريدة...
وتجتاحني أمّي... حتّى الطّرب...
بين الصّحوة والغياب ...لا أدري كم من الوقت مضى
وفي اللّحظة الحاسمة، رأيت فيما يمكن أن أرى
كونا لتوّه يتشكّل...عاريا في صرخته الأولى
مرسوما كالوشم الحميمي على نهد عاشقة
رائحة الغواية الطّريّة... شهوة الجمال وطعم الاكتواء
يغيب المشهد...يخفت شيئا فشيئا
يواريني العشب...وترويدة أمّي..
."أن نامي حبيبتي...قد حضرك النّوم، أنت أبوك النّجوم وأمّك القمر..."
...أعود إلى سلالتي إذن...نقطة ضوء تمضي،تتلاشى في غيمات الصّباح
....
"قريبا يكون لنا وطن"
خيريّة بوبطان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق