الملوك يهجون الشعراء شعر : محمد عمار شعابنية
ملوكٌ بِلاطاتهمْ فوْق أرضٍ وماءْ
يعدّون تيجانَهمْ
ويٌحصون بُنيانَهمْ
وما حطّ فوق الترابْ
وما مسّ كفَّ السماءْ..
ويمشون في البرّ والبحر فوْق البُسُطْ
وإنْ حدّثوهم عن الكرَم الحاتمي
يقولون : تحيا الرّعيّة من كَرم الأمراءْ
وإنْ شذّ عنهم حديث السياسة والشعراءْ
يصيحون :هذا شَططْ
لأنّ الكلامَ الذي لا نُزكّي غلطْ
وخيْر الأمور الوَسطْ.
وفي الأرض ترنيمة يائسهْ
مواويلها صوْت عصفورة ٌ
تقاذفها الوَجْف والخوْف حتى إذا تعبتْ
تهاوتْ على دوْحة يابسهْ
تؤجّل مشروع أغنيّةٍ
إلى أنْ يحِين الصباحْ
ويصبح في وسْعها أن تبوحْ
بسرّ الكلامْ المُباحْ.
وكان المُلوكْ
إذا سمِعوا هسْهسات المطرْ
تُوَشْوِش فوق السّطوحْ
يظنّون أنّ الضجيج انتشرْ
فيستنفرون الغَفَرْ
إلى أنْ يزول الخطرْ.
وما مِنْ خطَرْ
سوى أنّ عصفورة بائسهْ
تلاطم في وكْرها الماء أوْ
تدحرج من عشّها بيضُها فانكسرْ
فقاسمها حزنَها الشعراءْ
وأوفوا الرثاءْ
فقامت عليهم قيامهْ
وفال الذي قال: ما دخْلهمْ في شؤون البلدْ
إذا انتحبتْ فيه قُبّرةَ أوْ يمامهْ
ولم نُعطِ تفويض نجدتها لأحدْ؟
وإذْ يستبدّ السّكوتْ
بكلّ البيوتْ
وتُقفر من سالكيها الشوارعْ
وتخْرس بعد المساء المصانعْ
كأنّ المدائن في وحشة الصّمت أو أنها
تشتهي أنْ تموتْ
يبيتُ السلاطين في أرَقٍ
على قلَقٍ
يشاءون أن يفتحوا قمقم الصمتِ
والصمت حينَا ذهَبْ
وحينًا صدُى فارغٌ كالقصبْ
وحينًا تكسّرُ حُلْمٍ على صخْرة من تعَبْ.
وإذْ تغسل الشمس بِلَّوْر َيوم جديدْ
وتدخل كلّ الممرّات في أرْجل العابرينْ
ويسّابق الناس بحْثٌا عن الحبّ والبسماتْ
وما يجعل الرّزْق أحلى
وما يتجلّى
من الأمنياتْ
تخال البلاطات أنّ العبادْ
يريدون أنْ يسحبوا من رؤاها البلادْ
وأنّ البلدْ
لها وحدَها ..
ولها وحدها الأمْر والنّهي فيهْ
وما ليس في أرضه لأحدْ...
ومن عادة الشعراءِ اغتنام الفُرَصْ
يشاءون أن يكتبوا
إذا كان بين الكتابة والحبْر حَدُّ المِقصْ
لآنّ الكتابة تفْلتُ من قبضة المقصلهْ
فإنْ حُوصرتْ تنفجرْ
وإنْ صُودرتْ تنتشرْ
وإن عُوقبتْ تشتهرْ
وتفتح أبوابها المقْفلهْ
لكلّ العصافير والسّابلهْ
ومَن طال تِرْحالهم
ولم يطْفِئوا ظمَأَ القافلهْ.
ومن أجْوَد الشعْر عند الملوكْ
قصيدٌ فصيحْ
قوافيه تأتي إليهم بزَهْر المديحْ
وتجعلهم فوْق ما يدّعونْ
وما يصنع الآخرون
وفي زمن الحرب والسلم تملأهم بالحماسهْ
وتحسبهم أنبياءْ
مآثرهم معجزات السياسهْ.
لذلك تُعطى الأوامر جيلاٌ فجيلْ
إلى مَن لهم تقنيات الحراسهْ
بأنْ يقرؤا المتنبّي
وشيخَ المعرّهْ
وأنْ يرهفوا السّمع في حضرة الشّعر يوما فيوما
وأن يسبحوا في بحور الخليلْ
ليستكشفوا ما تعرّى
وما قد توَرّى
وما ظلّ جهرا وسرّا
سواءَ السبيلْ
وأنْ يعرفوا أنّ في كلّ قافيّة وردةً أو فَتِيلْ
فإنْ كان للشِّعر زهْرُ
فللأُمرَاء الثّناءْ
وجُود العطاءْ
وإنّ نطّ من رعْشة الحِبْر جمْرُ
فلا ذَنْبً في أنْ يشنَّ الملوك الهجاءْ
على الشعراءْ
يقولون أنتمْ خراب العقولْ
وعُقْم الفصول
وما يجعل الوقت دوما ثقيلْ
فلا تُحرجونا
ولا تطلبوا المستحيلْ
فلنْ تُصبحوا أنبياءْ
ولن تضربوا بعِصيّ القوافي
رمالَ الفيافي
لينزاح صخْرٌ
ويصْعد من رئة الأرض ماءْ
يعيد اخضرار الشّجرْ
ولن تزرعوا في السّماءْ
سحابًا يزُخّ المطَرْ
ولن تحملوا غير أقلامكمْ
وأضغاث أحلامكمْ
تلفّونها بحرير الأماني
وتسقونها سلسبيل الأغاني
ليشرب من كأسها الفقراءْ
ولن تُطعموهمْ وأنتم هنا جائعونْ
وإذْ تشبعونْ
تبيعون أقلامَكمْ
وتنسحبونْ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق