ذلك المساء المختلف
مساء نحتني ثمّ ألقى بكلّ الصّدأ في النّهر واغتسل
في ذلك المساء الّذي لن أعود بعده كما كنت أبدا
كنّا والنّهر وليل شتويّ وسماء الله الواسعة...ووقع الخطى
نقلّب في أخبار الأرض والوطن، وجنبا إلى جنب كانت النّظرات تخوض معاركها الحاسمة، حالمة، ماكرة، بريئة ،مخاتلة
ترفدها اللّمسات بالمدد،في سباقها العتيّ نحو ضفّة أخرى وأرض مغايرة
...
تطوّقني،أنثني بكامل الرّغبة
فتستيقظ تحت أقدامي باريس الثّائرة
و تصحو كلّ الأغاني الشّعبيّة المخبوءة في الجلد، تسترسل في الغناء
تتسلّل من الإسفلت تلك الذّاكرة
فتنمو حقول التّفّاح وهضبة وينشقّ الوادي بعمره الطّويل
أدنو بكلّي إليك
أجتاحك،
أجوس في سهولك وتلالك ...في تلك الرّائحة
نسير كائنا ناريّ الهوى مخضلّ القلب
نقتفي الأثر...
من ها هنا عبر العشّاق من قبلنا
نتنفّس سيرة الزّهر وثمرة القبل
نسمع خبب الأشياء الخفيّة يقترب
يتبدّى كلّ شيء على حقيقته السّاحرة
رقصة الضّوء على الماء، تموّج المارّين، خربشة الخطى، رائحة ذلك الخليط البشريّ، تناغم اللّغة، صوت القطارات من تحتنا...
صهيل الخيل وهو يشقّ طريقه في المسافة الفاصلة بين البحر واليابسة...
تلك الرّحلة من الظّلمات إلى النّور
رحمة الله الشّاسعة...أبواب المغفرة المضيئة
كلّ شيء يعود... و أنــــا
يــــــا أنـــــــــا
وقد صرتُ فيك جنونَ كلّ النّساء وصرتُ لي
دمي لي
الله معي
وهذه الأرض عمرُها حكايةُ الرّيح في خصرها
بسملة الشّمس، حرّية الشّهب
تملؤني تحرّرني
وفيك أمضي إلى أقصى المدى
في قلبك يجدلني ضفائر من شهد الكلام
...
في ذلك المساء على "نهر السّين" حدثت ولادة
رويدا، رويدا
من حقول القمح والزّرقة الخمريّة والطّين الأسمر الخفيف
من خجلي وجموحي ...من تلك الأرض من هذه الأرض
اكتمل وجه الحياة فيّ
في تلك اللّيلة،قيل أنّهم رأوا، جان دارك، وقد استرسل شعرها قطعا من الضوء والنّار
تنحني في هيبة ووقار أمام يسوع ...
الكلّ سمع اعترافها بحبّه ورقصوا على ضوعة اسمه وهي تغنّيه وتختفي
وهناك قالت نسوة أنّهن شاهدن، نائلة، تلك المرأة الخرافة
انبثقت، حين اكتمل البدر، في هيئة قبلة أمطرت على الأجساد بسخاء
فكانت ليلة خالدة...
...
آه حبيبي
كيف يتغيّر العالم في وجودك الأقرب
وكيف يَختزل الجمال قلبك...
...
قلبي أنـــــــا
ذلك النّهر
لا تزال خطاي تراقصه ولا يزال نفسي يذرعه
لا يزال شهد اللّيلة يسكنه
ولا زلت أرفرف هناك
في وتر الحنين ودفق الماء،في دندنة الوقت إذا أشتى
في القبلة العاشقة وقد تدلّت ودنت من المشتهى
في تلك البيوت، في أسرارها، في ضحكة أبوابها، في ترنّح الغرباء
وكلّما التقى عاشقان هناك
أمطرت...هنـــــــا
منذ ذلك المساء
...
كم هي رائعة ورومنسية
ردحذفرائع هذا النص شديد الصدق ، حميمي جدا مساء مختلف ونص مختلف وشاعرة طوعت الشعر للحكي فكانت مختلفة لغة أنيقة مشرقة وحكي مهموس أليف وإنساني فيه وهج المشاعر يستعر حتى يكاد يكون حارقا ، حين يرتاد مناطق المستور والشخصي الخاص بشجاعة المبدع الملتزم حياك الله ياخيرية دمت عزيزة ودام قلمك يكتب إبداعا أصيلا ...
ردحذف