كلما شاهدت البحر هنا شعرت بعجزك أمام الضباع وشعرت بالاختناق لأني صرت شبحا بعيدا لا يفقه من الشعور البسيط سوى رموز في الحكاية يقدّم حلولا حمقاء لهواجس رمادية، أي هرمون حوّل الذكرى إلى مجرد مغامرة بسيطة ممنوعة لرؤية البحر.. والبحر سجين القصيدة وسجين الذاكرة وسجين جواز سفر يجعلك أمامه مجرد سائح عابر، فهو لا يفهم فنون الاشتياق ولا يفرّق بين الجسد والروح ولا يتذكر كيف سارت مركبة المجزرة عندما يسأله العابرون مثلي عنها وهو نائم بين أحضان الإجابة، كم تبكيني وكم أبكي من أجل بلور حياة كسره غبار مسافات نسجها موسى ويسوع داخل زجاجة الماضي العالقة في التاريخ الفاجر بين الليل وسواده بين الصوت الصاخب واللسان الناحب..لم تجد سوى ذاتي لتحبس فيها بقايا آه مكتومة، أختنق .. وكأنها لحظاتي الأخيرة
أطلق قدميّ للمجهول .. وأمشي إلى حيث لا أعلم ها أنا أعود إليك بلا شعور التقط بعضًا من أنفاسي المخنوقة على الشاطئ وأراقب الفارس الذي وقع من صهوة السفر، بعد أن سحبوا من تحت قدميه بساط الصحراء وأغلقوا أبواب البحر عنه من كل الاتجاهات وفجّروا الأفق الموصل إلى سماء، كلَّما دَنا منها اكتشف بُعد المسافة المُوصلة إلى ارتعاش الوتر وهو يحمل أخبار الحجر وروحه معلقة على أهداب السؤال هل سيبقى جسدي محطة وسمائي بلا ضياء وطريقي مقفرة ومدينتي حمامة تلوّح للريح؟..
تركتني الآلهة لأوجاعي ورحلت.. نكرتني لأن روحها أنبتت جناحين ورفرفت لتشقّ عاصفة السماء.. مصاب بداء الشكّ في شمس أيام تحاول أن تحصي الفرح فلا يسعفها حزني ولا يسعها فضاء المكان تدير ظهرها عن الجحيم وتحدّق في جمرة..
ينتابني الدوار لفرط المساحة التي اختلج بها جسدي وتشظّت بها روحي العابرة وتاه القلب منها نحو وطن يقف على رصيف الذاكرة منقسم بين وهم جغرافيا وحلم تاريخ.. وطن يختلط في ملامحي فلا يسمع النشيد في القصيدة ولا يصغي لنحيب في غياب الحرف ولا تنتابه التفاتة الغريب للغريب في النصوص الملطخة بحبر قلب نابض بالحنين..
تفاصيل تفسد الحياة تأسرني في اليأس لأني محسوب على البشر، وتغرقني في الخصب لأني حاضر في التراب، أحاول إقناع امرأة بأن الحب سبب للموت فتكتشف هي الحياة في اقتران اسمها بشخص غائب يقف به الأرق على شرفة السفر..
منتقلا بين الجذور والأجنحة يسنده حجر صغير في الخفاء كي لا يخذل النحلة القادمة من ملح الجرح، فلا تستهن به لأنه يحفظ أسرارك ويعرف تحوّل الدم في قلبك كأنه قرينك القديم ورفيق الدم في الندبة حارس خطوات الطفل في أحلامك المؤجّلة..
تحرق أوراق ابن رشد في خيالك وتسرق بريق الأسطورة وهي تحيّي البحر في الرحيل وتخطّ خريطتك الجديدة بريح تقلق السفن ترسم الوقت وشما عليها وتضع لاسمك أسبابا لتمر فاضحا ذاكرة المستحيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق